طبيعة السعودية

النمر العربي

النمر العربي

أ. أحمد إبراهيم البوق

يُصنف النمر العربي وفق بعض الدراسات الوراثية – الخاص بشبه الجزيرة العربية – تحت نوع، (Panthera Pardus Nimr) ويتميز – مقارنة مع تحت النوع الإفريقي – بلونه الكريمي الفاتح مع البقع السوداء التي تشكل كل ثلاثة أو أربعة منها ما يشبه الوردة ناحية البطن، إضافة إلى صغر حجمه، إذ يتراوح وزن الذكر بين ٣٠-٣٥ كجم، والأنثى بين ٢٠-٢٥ كجم، حيث يمثل حوالي نصف وزن مثيلاتها في النمور الإفريقية.

انتشرت النمور العربية – سابقًا – في معظم المناطق الجبلية المحاذية للبحر الأحمر، وفي جبال ظفار وجبال مسندم إلا أن أعدادها قد انحسرت في شبه الجزيرة العربيّة حتّى صُنفت كنوع مهدد بالانقراض وذلك لعدة أسباب هي: استهدافها بالصيد والتسميم واستهداف فرائسها الطبيعية بالصيد الجائر، فضلًا عن تدهور بيئاتها الطبيعية نتيجة للاحتطاب والرعي الجائرين.

قدرت أعداد المتبقي من النمور العربية في كامل مناطق التوزيع الجغرافي بما لا يزيد عن۲۰۰ نمرًا بالغًا، ووضعت في القوائم الحمراء للاتحاد العالمي للمحافظة في تصنيفه الدولي للثدييات عام ٢٠٠٨م، وكذلك في التقييم الجديد عام ٢٠١١م. وقد تجزأت مجموعات النمور فلا يتوقع وجود مجموعة متصلة يزيد عددها على ٥٠ نمرًا بالغًا، ونتيجة لذلك تكثّفت الدراسات ووضعت كاميرات المراقبة الحقلية لدراسة أوضاعها، حيث ثبت وجود بعض الأعداد القليلة من النمور؛ فقد رصد ۱۷ نمرًا في محمية «جبل سمحان» في ظفار بسلطنة عمان، و٩-١١ نمرًا بالغًا في الجبال الحدودية «جبل القمر» مع الجمهورية اليمنية، ونمرين في منطقة «حوف» شرق الجمهورية اليمنية وهي منطقة محميّة للنمور العربية. وهناك تسجيلات في منطقة «وادعة» ۱۲۰ كم شمال العاصمة اليمنية صنعاء، إضافة إلى تسجيلات متفرقة في منطقة «حجة». أما في المملكة العربية السعودية فرغم انتشار كاميرات المراقبة في العديد من المواقع في جنوب غرب، وشمال غرب المملكة فإنّها لم تسجل وجودًا للنمور في هذه المناطق، ومع ذلك فإن وجودها مؤكد، حيث رصد د. عوض الجهني – جامعة الملك سعود بالرياض – ٦٥ موقعًا للنمر العربي بين عامي ١٩٩٨-٢٠٠٣م، وذلك من خلال عدة مقابلات شخصية مع السكان المحليين في جبال السروات والحجاز، كما سجلت الهيئة السّعوديّة للحياة الفطرية خمس حالات تسمم للنمر العربي وجمعت بواقيها، حيث كانت الحالة الأولى عام ١٩٩٢م في جبال الفقرة ۸۰ كم غرب المدينة المنوّرة، وحالتين في محافظة النماص عام ٢٠٠٧م، وحالة في مقسى بالحارث جنوب الطائف في عام ٢٠١١م، أما الحالة الأخيرة فكانت في وادي نعمان بمكة المكرمة في عام ٢٠١٤م، وقد أحدثت صدى واسعًا في وسائل الإعلام نظرًا لقربها من التجمعات السكانية وقد أجرت الهيئة – في الحالات الثلاث الأخيرة – مسوحات تفصيلية لتلك المواقع، ونشر كاميرات مراقبة، وإجراء برامج متكاملة للتوعية البيئية. أما في حدود التوزيع الشمالي للنمر العربي في الأردن فيعتقد أنه انقرض مع وجود أعداد قليلة جدًا في فلسطين، كما يعتقد انقراضه من جبال شرق الإمارات العربية المتحدة.

بيئة النمر العربي وسلوكه

يُفضّل النمر العربي البيئات الجبلية الوعرة، وربّما ساهم ذلك في المحافظة على ما تبقى من أعداده، وهو حيوان ليلي المعيشة يقضي معظم نهاره في الكهوف، ويصطاد ليلًا، بينما سجل تحرّكه نهارًا في الصباح الباكر في المناطق الجبلية المعزولة في محمية جبل سمحان في سلطنة عمان. وهو حيوان انعزالي تعيش إناثه معزولة عن ذكورها ولا يلتقيان إلا في موسم التزاوج – غالبًا في الشتاء – ثمّ تعود الإناث للانعزال مرّةً ثانية. ويستغرق الحمل حوالي ثلاث أشهر تضع بعدها الأنثى من 1 إلى 3 أشبال مغمضي الأعين إلى حوالي أسبوعين، ويظلون في حماية الأم إلى فترة قد تمتد إلى عام ونصف العام، وهم لا يتوقفون عن الرّضاعة إلى ٤-٥ أشهر. بينما يبدأ الشبل في تذوّق اللحم بعد حوالي شهر من الاعتماد على حليب أمه، ويمتاز النمر بحركة واسعة بحثًا عن الفرائس قد تصل إلى ٤٠٠كم في العام، وعادة تتحرّك الذكور أكثر من الإناث التي تُفضّل الأماكن النائية والكهوف؛ لوضع مواليدها، ونقلها من مكان لآخر لحمايتها من افتراس الضّواري الأخرى.

تقوم النمور بتعليم حدودها المكانية بواسطة البول والبراز، والحفر في الأرض، والخربشة على جذوع الأشجار، وكلّها علامات بصرية وشمّيّة تدركها النّمور الأخرى، وفي دراسة على الغذاء الطبيعي للنمور في محمية جبل سمحان – من خلال تحليل فضلاتها – وجد أنّها تعتمد في غذائها بصفة أساسية على الوعول والظباء الجبليّة والوبر والأرانب البرية وبعض أنواع الطيور كالحجل، بينما تشكل القرود في المملكة واليمن مصدرًا أساسيًا لغذائها نظرًا لوفرتها ولتسجيل افتراسها في المشاهدات الإفريقية، ونظرًا لوعورة مناطق النمور الجبلية فإنّها تعتمد في صيدها على المباغتة والصيد في الليل لأن قدرتها البصريّة والشَّمِّيّة أعلى بكثير من فرائسها الطبيعية.

المحافظة على النمر العربي في المملكة

شاركت الهيئة السعودية للحياة الفطرية في كل ورش العمل التي نظمها مركز إكثار حيوانات شبه الجزيرة العربية في الشارقة منذ أربعة عشر عامًا، والتي اهتمت بصفة أساسية بالنمور العربية، وتمخض عن تلك الجهود الإقليمية إصدار عدد خاص عن النمر العربي في مناطق توزيعه الجغرافي، صدر عن مجلة المجموعة التخصصية للقطط البرية في العالم. تلاه إصدار الاستراتيجية الإقليمية لحماية النمر العربي عام ٢٠٠٧م الصادر عن هيئة البيئة والمحميات الطبيعية بالشارقة بالتعاون مع المجموعة التخصصية للقطط ومع المختصين في دول الانتشار.

استندت المملكة في استراتيجيتها الوطنية للمحافظة على النمر العربي على أسس الاستراتيجية الإقليمية التي ساهمت في صياغتها، وبدأ البرنامج في المملكة منذ ٢٠٠٧م، وانقسم إلى ثلاث محاور رئيسة هي:

  • المحافظة عليها في بيئاتها الطبيعية

قامت المملكة بالتعاون مع خبراء دوليين بإجراء الدراسات والمسوحات الحقلية على تلك البيئات وعقد أربع ورش تم خلالها وضع أكثر من ٧٠ كاميرا مراقبة في تلك المناطق، وهي:

– ورشة العمل الأولى عام ٢٠١٠ م عن كاميرات المراقبة مع الخبير الأمريكي د. رودني جاكسون، وتم عمل دليل حقلي لاستخدام الكاميرات تُرجم للغة العربية، ووزّع على المهتمين.

– ورشة العمل الثانية عام ٢٠١١م عن عمل النماذج الحاسوبية لبيئات النمور مع الخبير الجورجي د. ألكسندر جاشاليسفي.

– ورشة العمل الثالثة عام ٢٠١٣م عن بيئات النمور مع الخبير الجنوب إفريقي د. كونتن ايوجين مارتنز – ورشة العمل الرّابعة عام ٢٠١٤م عن الفحص الوراثي لفضلات المفترسات مع الخبير الإسباني د. فرانسيسكو بالموريس فرنانديز.

  • الإكثار في الأسر

نجح المركز الوطني لأبحاث الحياة الفطرية بالطائف في الوصول بأعداد النمور في الأسر إلى ١٠ نمور من زوجين، وتم مبادلة بعض هذه الأفراد مع مركز الإكثار في الشارقة لضمان الحصول على أقصى قدر من التنوع الوراثي. ويهدف المركز إلى الحصول على ثلاثين نمرًا بالغًا إضافة للصغار، وقد بدأ بوحدة إكثار واحدة عام ٢٠٠٧م وهي حاليًّا خمس وحدات، ويخطط المركز لرفعها إلى ١٢ وحدة، إضافة لوحدة المراقبة بالكاميرات، ووحدة عزل الذكور والصغار التي تم إنشاؤها، وإنشاء وحدة للرعاية الخاصة بالنمور ضمن برنامج الإكثار في الأسر. كما يتضمّن هذا البرنامج التعاون الدولي لتبادل العينات الحية وتبادل الزيارات والخبرات، علمًا بأن هناك برامج إكثار أخرى في الشارقة وعمان والعين إضافة لمجموعات تكاثر في حديقة الحيوان بصنعاء وتعز وعدد قليل من المجموعات الخاصة، ويبلغ إجمالي أعداد النمور العربية في الأسر حوالي ٥٠ – ٦٠ نمرًا.

  • التوعية البيئية

قامت الهيئة السعودية للحياة الفطرية ببرامج توعية بيئيّة خاصّة بالنمور العربية وتحديدًا في المواقع التي حدثت بها حوادث التسمم الأخيرة، وتم التركيز على المدارس والأهالي في تلك المناطق، إضافة لإنتاج فيلم قصير عن المفترسات الكبيرة في المملكة (النمور والضباع، والذئاب والوشق) وأهميتها للنظم البيئية، وإنتاج بطاقات بريدية خاصة بالنمر العربي، والعديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية والصحفية، والمقالات الخاصة بالمحافظة على هذا الحيوان.

خاتمة

ينتشر في شبه الجزيرة العربية ٢٠ نوعًا – من بين ۳۰ نوعًا – من المفترسات المسجّلة في المنطقة العربية، منها الفهد الآسيوي الذي انقرض من المملكة في الستينيات من القرن العشرين، إلا أنه لا يزال موجودًا في إيران، لكنّه مهدّد بالانقراض. أما الأسد الآسيوي (Panthera leo) فلا زال موجودًا في محمية «جير» شمال غرب الهند، ويعتقد أن آخر أسد عربي آسيوي تم اصطياده كان في نهاية الحرب العالمية الأولى في العراق عام ١٩١٨م.

يُصنّف النمر العــربـــــي (Panthera Pardus nimr) ضمن القوائم الحمراء للمنظمة العالمية للمحافظة عليه كنوع مهدد بالانقراض بدرجة كبيرة، كما أن الضباع والذئاب مهددان بالانقراض أيضًا، وبذلك يصبح ٢٥٪ من أنواع المفترسات في شبه الجزيرة العربيّة مهدّد بالانقراض، أما القطط الرّمليّة، والقطط البرية، وابن آوى وآكل العسل فقريبة من الانقراض، بينما الوشق والرتم، والنمس أبيض الذنب، وثعلب «روبل» الصحراوي، والثعلب الأحمر فهي أقل تهديدًا ، بينما لا توجد معلومات كافية عن ثعلب الفنك – ثعلب الشمس والنمس الرمادي الهندي، علما بأن نصف الأنواع المذكورة سابقًا مهدّدة إقليميًا – في الجزيرة العربية – وليس دوليًا، ما يؤكد ضرورة تفعيل الأنظمة الخاصّة بحماية الحياة الفطرية والمفترسات على وجه التحديد – على رأسها النمور العربية – المخاطر المتمثلة في القتل المباشر، والصيد للاتجار بها، والتسميم، وقتل فرائسها الطبيعية كالوعول، والظباء، والوبر، والأرانب، والحجل، وتدمير بيئاتها الطبيعية من خلال التنمية غير المستدامة، وضغوط الاحتطاب والرعي والصيد الجائرة. لعله من المؤشّرات الخطيرة لانخفاض أعداد المفترسات الكبيرة وعلى رأسها النمور العربية في المملكة، إضافة إلي تزايد أعداد قرود البابون وانتشارها في المناطق الجبلية جنوب غرب المملكة، التي أصبحت تشكل مشكلة مزمنة على المدن والقطاع الزراعي، ومهدّدة للصحة العامة.

حقوق النشر: محفوظة لمجلة العلوم والتقنية، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

المراجع

– الاستراتيجية الإقليمية لحماية النمر العربي في شبه الجزيرة العربية، تقرير خاص صادر عن هيئة البيئة والمحميات الطبيعية بالشارقة ٢٠٠٧م.

أحمد إبراهيم البوق، النمر العربي سيّد الجبال أمل الإنقاذ من يأس الانقراض، مجلة الوضيحي، العدد ٤٨، سبتمبر ٢٠١١م.

– Arabian leopard, Panthera Pardus nimr, international stud book breeding Centre for endangered Arabian wildlife shar- jah,2011.

–  Critically endangered Arabian leopards Panthera Pardus nimr persist in the jabal samhan nature reserve, Oman

– J,A,spalton.H,alHakmani.D,willis.A,S,Baitsaid. oryx, vol40, No3, July 2006.

– Regional red list status of Carnivores in the Arabian Peninsula. Compiled by David Mallon and Kevin Budd, the IUCN red list of threatened species,2011.

 

مقالات ذات صلة